الاثنين، 7 سبتمبر 2015

برنامج #لا_نأسف_على_الإزعاج | الحلقة الرابعة


برنامج #لا_نأسف_على_الإزعاج
دكتور #أحمد_خيري_العُمَري
*الحلقة الرابعة :-
عنوان الحلقة : ‫#‏حدّوتَة_عُمَريّة‬
.
.
لِكُلٍّ منّا نظام تشغيل خاص به , نعمل من خلاله حتّى لو كنّا نجهل ذلك !
نظام تشغيل ؛ نفكّر من خلاله , نرى العالم من خلاله , نتصرّف من خلاله , نقوم بردود أفعالنا من خلاله , نخطّط لمستقبلنا أو لا نخطّط , من خلاله ..
من أينَ يأتي نظام التّشغيل هذا ؟
غالباً يأتي من مجتمعاتنا ؛ من الأمثال الشّعبية , من القيم التي نتربّى عليها و تشكّل رؤيتنا للحياة ..
و يلعب الوالدان و الظروف الشخصية المحيطة بكل شخص دوراً في تحوير نظام التشغيل هذا , و جعل بعض أجزاءه تعمل أكثر أو تعمل أقل ..
يمنح القرآن لأولئك الذين يلتحمون به و بأعمق معانيه ؛ نظام تشغيل قرآني !
نظام تشغيل يجعلهم يفكّرون بطريقة مختلفة ..
يمنح القرآن لأولئك طريقة في التفكير , في ترتيب الأشياء , في تصنيف الأشياء , في إعادة الأولويات ..
يجعلهم في موضع المسؤوليّة في العالم بحيث يتصدّون لحل مشاكل هذا العالم ..
كان يمكن لكل هذا الكلام أن يكون كلاماً إنشائياً جميلاً لا دليل عليه .. لكنّ السيرة النبوية احتفظت لنا بين ثناياها بـ حدّوتة مهمة , بحكاية تثبت لنا أنّ نظام التشغيل القرآني هذا حقيقة عملية قابلة للتطبيق العملي !
نظام التشغيل القرآني في هذه الحدوتة المهمة يثبت لنا أنّه يمكن أن يجعل البشر يَبدُون خارقين رغم أنّهم بشريّون تماماً !
و ذلك عبر أثرهم الخارق في العالم !
نظام التشغيل القرآني يجعل البشر يدخلون التاريخ و يغيّرونه !
- كان رجلاً عاديّاً من رجالات مكّة في جاهليّتها , كان صلباً متشبّثاً بما يعتقد أنّه الحق ..
" صلابته على ما يعتقد أنّه الحق كانت ميزته الأهم "
لكن فلننتبه .. هذا يمكن أن يكون إيجابياً جداً .. و يمكن أن يكون سلبياً جداً ؛ على حسب " ما يعتقد أنّه الحق " ..
أسلَمَ هذا الرّجل .. و لأنّ ميزته الأهم كانت هي تلك الصلابة و الثبات ؛ فقد التَحَمَ بمعاني القرآن !
و عندما مسّهُ القرآن فقد قام بتفعيل نظام التشغيل القرآني الخاص به ..
نتحدّث إن لم تكونوا قد عرفتم بعد ؛ عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- ..
الفاروق عمر .. ربّما سُمِّيَ بالفاروق لأنه الفارق بين نظام التّشغيل القرآني و أنظمة التشغيل الأخرى !
لم يقم أحد بأخذ صورة أشعّة مقطعية لدماغ عمر بن الخطاب لاكتشاف نظام التشغيل القرآني , كما لم يقم أحد بتحليل دماغه أو أنسجته لمعرفة ذلك !
كان الأمر أبسط من ذلك و أقل تعقيداً و دون الحاجة إلى أي تقنيات معقدة ..
كان ذلك من خلال حوادث حصلت في حياة الرسول –صلى الله عليه و سلم- و أثناء نزول القرآن الكريم ..
حوادث صارت تُعرف بِـ "موافقات عمر بن الخطاب للقرآن الكريم " ..
ما المقصود بِـ "موافقات عمر بن الخطاب للقرآن الكريم " ؟
في أحيان كثيرة كان عُمَر يذهب للرسول –صلى الله عليه و سلم- ليقول ما يراه صواباً في أمرٍ عام ..
أحياناً بطلبٍ من الرسول الكريم ؛ كما هي العادة في استشارة الصحابة , و أحياناً دون طلب ..
يذهب عُمَر ليقول رأيه في أمرٍ ربّما كان مخالفاً لما يراه الرسول - صلى الله عليه و سلم- و بقيّة الصحابة ..
ثمّ يأتي وحي السماء بآيات قرآنية صريحة توافق رأي عُمَر .. الذي كان لحظة قاله بعيداً عن الأخذ به !
كيف تمكّن عُمَر من ذلك ؟
هل كانت لديهِ مجسّات استشعار مثلاً ؟ هل كان يمتلك راداراً ؟
لا , الأمر أبسط من ذلك ؛ لقد قام عُمَر بتفعيل نظام التشغيل القرآني .. أصبح يفكر مثل القرآن ..
لكن .. قد يقول قائل : أَلَمْ يكن من الأجدر أن يظهر نظام التشغيل القرآني هنا على ما يراه الرسول - صلى الله عليه و سلم- ؟
لقد شاءت الحكمة الإلهية أن يظهر نظام التشغيل هذا على غير الرسول الكريم - صلى الله عليه و سلم- ..
كما لو أنّ الحكمة تقول لنا : الوحي سينقطع ذات يوم .. لكن نظام التشغيل القرآني لن ينقطع أبداً !
- الموافقات العُمَريّة متعددة ؛ و البعض منها حددها عُمَر بنفسه و قام بتصنيفها في حديث صحيح معروف , و البعض منها ذُكِر في علم أسباب النّزول ..
أمّا الموافقات التي حددها عُمَر في الحديث الصحيح فهي : 1- اتّخاذ مقام النبي ابراهيم مُصلّى , 2- آيات الطّلاق , 3- حجاب زوجات النّبي - صلى الله عليه و سلم- ..
يتحدث كثيرون عن مخاوف من العقل , مخاوف من ترك العنان له , عن المشاكل بين تقديم العقل على النصّ الديني ..
كل هذا يمكن أن يكون صحيحاً عندما يعمل هذا العقل بمنظومة تشغيل مختلفة ؛ بمنظومة تشغيل قادمة من منظومة حضارية أخرى ..
و لكن عندما يعمل العقل بنظام التشغيل القرآني فلا داعي لهذه المخاوف .. على العكس : لا يمكن فهم النص القرآني بطريقة صحيحة و فاعلة إلا من خلال عقل يعمل بنظام التشغيل القرآني !
- النتيجة : أنّ الموافقات العمرية تثبت لنا أن العقل البشري عندما يلتزم بنظام التشغيل القرآني يمكن له أن يبدع إلى أقصى حدود الإبداع !
و يوم استلم عُمَر الخلافة , جعل نظام التشغيل القرآني يعمل على نطاق واسع ..
نقرأ في سجل منجزاته الضخم أنّه كان أول من قام بكل الأشياء التالية : أول من وضع حصة تموينية لكل فرد , أول من مهّد الطرق بين المدن , أول من وضع الحرس الليلي , أول من جعل هناك ضمان على الحِرَف اليدوية , أول من أمر بالتعليم الإلزامي المجاني , أول من جعل نفقة اللقيط من بيت مال المسلمين , أول من جعل هناك موظفين يهتمون بذوي الاحتياجات الخاصة , أول من منع المسئولين من ركوب ما يميزهم عن غيرهم , أول من جعل امرأة في منصب وزير ... و هناك الكثير من الإنجازات التي لا تكفيها حلقة أو حلقات ..
لو كان هناك نظام لجوء في عهد عُمَر لرأينا الناس من كل قارات العالم يذهبون لِ اللجوء في دولة عُمَر !
و أنتَ يا صديق ..
ما هو نظام تشغيلك ؟
هل هناك نظام تشغيل لديك أصلاً ؟
أم هو مجرد هذا الخوض مع الخائضين ؛ أن تفعل كما يفعل أصحابك , أن تعيش حياتك بلا هدف , غير هدف الـ " لا شيء " .. يوماً بعد آخر .. ليلة بعد أخرى ..
أم لعل هناك نظام تشغيل فعّال فعلاً و لكنه قادم من منظومة حضارية أخرى ..
أنت تستحق شيئاً أفضل من هذا يا صديق !
أفضل من الهدر و الخوض مع الخائضين و من نظام التشغيل القادم من منظومة حضارية أخرى ..
في داخلك .. يوجد معدن نبيل .. أعرف ذلك و لا أجاملك : لقد خبرته !
ثمة معدن نبيل بحاجة لنظام تشغيل !
ثمة حدوتة شخصية عنك !
تستحق أن تُروَى للأطفال قبل النوم ..
حدوتة شخصية عنك أنتَ بالذّات !
تنتظركَ ..
لا تخذلها ..
يا صديق !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق