الاثنين، 28 أكتوبر 2013

المظاهر المادية للحضارة



افتتن بعض شباب المسلمين اليوم بمظاهر الحضارة الغربية فراح يقلدهم في كل شيء و إن خالف تعاليم ديننا , بل و تجاوز البعض فظن أننا لابد و أن نترك الإسلام و نحصره في المسجد فقط حتى نستطيع أن نتقدم و نصل إلى ما وصل إليه الغرب...
.
و هذا بلا ريب نابع من عدم الإحاطة بمعنى كلمة " الحضارة " , و ما هي مظاهرها , و على أي أساس يتم الحكم على مظاهر معينة أنها حضارة راقية أم لا ...
.
في هذا المقال يتحدث " محمود شاكر " في كتابه تاريخ الإسلام عن معنى الحضارة و ما هي مظاهرها و كيفية الحكم على مظاهر بعينها على هى حضارة راقية أم لا.
.
كلام مهم لابد من قرائته للنهاية

===========================================

الحضارة هي الاستقرار ، والامن  ، و السعادة النفسية بتأمين أهداف الانسان وحاجاته المادية الاساسية المتطورة والتي تتفق والمدة الزمنية التي يعيش فيها الانسان ، والتي تحقق خدمته ورفاهيته ، فإذا وُجدت الحضارة نتج عنها ما يُعرف بمظاهر الحضارة ، وهي التي يظنها الناس -غلطا- هي الحضارة .
.
وتختلف هذة المظاهر باختلاف تطور الوسائل وباختلاف مفهوم الانسان عن الحياة و هو الذي ينبع من العقيدة . فالماديون  يحسبون الآلات هي وسيلة التطور وحدها  ،ويعدون طلب الملذات والحصول علي الشهوات  ، وتأمين المصالح الخاصة ، وبناء الجاه ، وحب الشهرة تقع كلها ضمن خدمة البشر بغض النظر عن الطرق التي يحصلون عليها ، وما ينتج عنها من نتائج اجتماعية ، أي ولو أدي ذلك إلي تدمير مجتمع كامل أو قتل  أفراد أمة جميعا . 
.
أما المسلمون فيعدون الوسائل التربوية والمادية هي مجال التطور , ولا تفيد الثانية دون الأولي ، ويحسبون الوسيلة الشرعية هي وحدها التي تقع ضمن خدمة الإنسان مع النظر إلي سلامة المجتمع والنتائج الإيجابية الصحيحة ، أما الوسائل غير الشرعية فهي من الأمور السلبية التي تضر بالمجتمع ،وتفتك به ، وتقضي  علي ما أقام  من تقدم وتطور للوسائل ، وتهدم بالتالي  ما شُيد من حضارة .
.
إن تطور  الوسائل هو من نتائج تصور الإنسان للحياة وبيان  مهمته فيها ،  وهذا ما تقدمه العقيدة ، فالعقائد المادية تبيح للفرد أن يتصرف بما  يمللك من وسائل لتأمين رغبات غرائزه دون النظر إلي النتائج ، أو تسمح للجماعة أن تعصر الفرد عصرا تُذيب معه كامل شخصيته ، و إن كان له  الحق أن يُطلق العنان لغرائزه البهيمية دون رادع . و أن الوسائل تتطور في سبيل الحصول  علي المنفعة المادية سواء أكان للفرد أم للدولة ، ومن  وراء المنفعة المادية الشهوة والشهرة وما إلي ذلك ، وكل يُسمي ما يعتقد حضارة .
.
أما الإسلام فقد وضع لكل حدا يقف عنده بحيث لا تطغي الجماعة علي الفرد ، ولا ينطلق الفرد بلا حدود ، ويبحث الإسلام في النتائج الاجتماعية ليبقي المجتمع صحيحا ، و يؤدي دوره في الحياة كاملا .
.
فالحضارة إذن من نتاج العقيدة التي ترسم لأتباعها تصورا خاصا عن الحياة ، وتبيانا لمهمتهم فيها ، ومن هذة المهمة يندفع المرء إلي العمل والنشاط ، فينشأ التطور ويحدث التقدم ، وتكون الحضارة .
.
ولما كانت هناك عقائد مختلفة تتباين في نظرتها إلي الحياة  ، وإلي مهمة البشر في الدنيا ، وإلي سعادة الإنسان في الحياة في حريته الكاملة بغض النظر عن مصلحة المجتمع ، لذا فهي تُهئ المُناخ المناسب ليمارس الفرد حريته كاملة ، ومن هذة الحرية ينطلق و يُطور الوسائل المادية ليتمكن من تحقيق كلّما تصبو إليه نفسه ، علي حين ينظر بعض أتبع الحضارة المادية الآخرين إلي مصلحة الجماعة ويجعلون الفرد يذوب ضمنها ويعمل لها ، ويطلبون منه أن يعمل ما في وسعه لسعادتها – حسب زعمهم – .
.
أما الإسلام فيعدّ الإنسان مستخلفا في الأرض ، وعليه أن يقوم بإعمارها حق القيام ، و يؤدي مهمته التي أنيطت به حق الأداء ، ويعدّ الإسلام الإنسان مسؤولا عن ذلك في الدنيا أمام النظام ، وفي الآخرة أمام الله الذي استخلفه في الأرض ، أوكل إليه القيام بهذه المهمة ، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض  وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ، لذا فقد كان علي المرء القيام بالعمل في الأرض ،وإحياء الموات منها ، واستغلال ما فيها أحسن استغلال ، ومن هنا كانت الحضارة الزراعية ، وما يتبعها في كل ما يتعلق بالأرض ، وكل ما يرتبط بها من وسائل الاقتصاد من صناعة ، وتجارة ومن مواصلات ، وكانت الدولة هي المسؤولة عن تنقل الناس و تأمين مصالحهم ، وحماية سيرهم وقوافلهم .
كما يهتم الإسلام بالإنسان ويكرمه ، ويهتم بصحته ، وحريته ، وعقله ،وتفكيره ، لذا فقد اهتم بعقيدة المرء  ونزع ما في نفسه من أساطير و أوهام ، وما يعلق فيها من شوائب و خُرافات ، وحرر عقله مما يسيطر علي عقول الجاهليين من تنجيم ، وطيرةٍ ، وهامةٍ ، ومنع كل ما يحول دون انطلاق فكر المسلم  ، وتحرره من كل قيدٍ يمكن أن يُفرض عليه ، وبذا أخرجه من  الظلمات ، والظلم ، والاستبداد .
.
ومن الناحية  الصحية حرم الإسلام كل ما يٌؤذي جسم الإنسان أو نفسه من سمٌوم ، ومٌسكرات ، و مٌخدرات  ، ومنع الإنسان أن يقتل نفسه أو غيره ، وهدد الفاعل بأقسي العقوبات ، وهي نار جهنم  وكذا اهتم بالمساواة بين الأفرد بعضهم  مع بعض ، وحرص علي عدم التمييز بين عناصر المجتمع علي اساس المال ، أو الأصول و البيئات ، أو المسكن والمكان ، أو المهنة والعمل كي لا تنشأ الطبقات ، وحتي لا يكون انفصام بين أبناء المجتمع الواحد ، وحتي لا تكون الضغائن والأحقاد ، وحتي لا يحدث الصراع الذي يقوم بين الطبقات في المجتمعات الحالية ، وانما ينظر الإسلام إلي الجميع  النظرة الإنسانية ، نظرة المساواة بصفة أنهم جميعا يعودون إلي أصل واحد .
.
كما أمر بنشر العدالة بين الرعية والتعاطف والتراحم بين الجوار وأولي الأرحام ثم بين المسلمين جميعا . واهتم بالعدل ، وعدم النظر إلي منصب الأفراد ومركزهم ، والخليفة فرد من المجتمع ، كما طالب أولي الأمر بالتواضع وعدم الترفع علي الرعايا ، و إن كان هذا للمسلمين جميعا إلا أنه خص أولي الأمر منهم ، فهم أحق في هذا ، و أكثر مسئولية في ذلك . ولم يكلف الإسلام المرء فوق طاقته ، ولم يحمله ما لا يستطيع ، ولم يأمر بالسخرة في الأعمال للسادة والأشراف – كما كان يحدث عند بقية الأمم ،ولا في مشروعات الدولة إلا إذا كانت خدمة عامة ينال منها الفرد المكلف ،أو فيها مصلحة للمسلمين جمعياً، لذا لم يهتم المسلمون ببناء القصور المنيفة والبيوتات الشامخة ، ولا المساجد الفخمة كي لا يحدث الحقد ، وينظر الفرد  إلي المسؤول عنه نظرة الكراهية ، أو إلي الغني نظرة الحقد والبغض ، وما حدث في تاريخ المسلمين من هذا لم يكن إلا في الأيام الأخيرة يوم بدأ الإسلام ينحسر من نفوس أبنائه . والدولة الإسلامية مسؤولة عن تأمين العمل لرعاياها ، وعن مسكنهم ، وطعامهم ، ورعاية حالات العجز والشيخوخة بغض النظر في عقيدة الأفراد الذين تصيبهم هذه الحالات .
.
فالحضارة الإسلامية إنسانية تختلف عن غيرها من الحضارات المادية اختلافا بيناً . وهي حضارة قائمة بذاتها تنبع من العقيد الإسلامية ، من نظرة المسلم للحياة ، ومهمته فيها ، وما يُحقق للنفس من سمو ، وما يٌؤمن للمجتمع من رفاهٍ وسعادة ، علي حين أن بقية الحضارات المادية تأتي  نظرة الإنسان المادية ، وما يُحقق فيها لنفسه من ترف ، وما يتمتع من ملذات ، وما يُحقق من شهوات وشهوة وبناء عز . وتنظر إلي ما شاده القدماء أو المتأخرون من أبنية وقصور ، وهياكل ومعابد ، وأهرامات ومقابر ، وساحات ومسارح ، وبقيت شامخة علي مدي قرون طويلة تنظر إلي هذة كلها نظرة عادية فهي ليست إلا فن عمراني لم يُشد لخدمة البشر وسعادتهم ، وإنما أقيمت حسب  أهواء حكام ، وقامت علي أعمال السخرة ، و إرهاق الناس و تكليفهم ما لا يطيقون .
.
ومن هذا المنطلق فإن الحضارة قد بلغت أوجها عندما استقر الناس ، وساد الأمن ، وعم بينهم العدل ، وانتشرت المساواة ، و أمنت حاجاتهم الأساسية ، وانطلقوا لتحقيق أهدافهم ومهمتهم في الحياة بكل رضي للحصول علي السعادة النفسية و هذا ما تم في صدر الإسلام فكانت  الحضارة العظيمة ومن  ثم أخذت تبدو مظاهرها من هذا المنطلق فيما بعد ،  وللحضارة مظاهر متعددة  فهناك مظاهر أساسية هي : العلم و الأخلاق و الانتاج ، ومظاهر كمالية هي : البناء والعمران ، وهناك مظاهر ترفيهية هي : الزخرفة والموسيقي والفن و …..و إذا وصلت الحضارة إلي المظاهر الترفيهية  بدأ الترف أو بدأت نهاية الحضارة  وهذا ما حدث في الدولة العباسية حيث بدأت الحضارة تنهار ، وسقطت الدولة ، ولم تصل الحضارة إلي أوجها كما يتصور الماديون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق