برنامج #لا_نأسف_على_الإزعاج
دكتور #أحمد_خيري_العُمَري
*الحلقة الثالثة :-
عنوان الحلقة : #الصورة_غير_الصالحة_للعبد_الصالح
.
.
العبد الصالح ..
فلنغمض أعيُننا .. و لنحاول أن نتخيل ما توحيه هذه الكلمة لنا ..
فلنحاول أن نتخيل الصورة الذهنيّة المرتبطة بالعبد الصالح ..
دون تفكير طويل .. فقط ما يأتي تلقائيّاً في بالنا ..
غالباً سنتخيّله و هو في الطريق إلى المسجد يرتدي لباس تقليدي بسيط و يحمل مسبحة في يده .. يسير محنيَّ الرأس و الظَهر لا نعرف بالضبط هل هذا بسبب غض البصر أم شيء آخر , يتمتم بتسبيحات و أذكار و يسير جنب الحائط ..
كما نقول في اللغة اليومية الدارجة : تفادياً للمشاكل يسير "ملتصقاً بالحائط" ..
هذه هي صورة العبد الصالح في أذهاننا !
فلنتخيل الآن لو أن هذا العبد الصالح الذي في أذهاننا قد تعرّضَ لمشكلة ما من تلك المشاكل التي نصادفها جميعاً في حياتنا اليومية كأن يكون أحدهم قد تجاوز على حقٍّ له ..
فلنتخيّل أنّ لديه أقارب تجاوزوا على حقّه في الإرث .. ما الذي سيفعله هذا العبد الصالح الذي في أذهاننا ؟
(العبد الصالح ! .. سيتنازل عن حقّه طبعاً , هو لا يريد شيئاً من الدنيا و أوساخها ) << هذا هو العبد الصالح الذي في أذهاننا ! .. و هكذا سنقول !
لكن ..
فلنترك الآن القرآن يفتح أعيُننا على الصورة الحقيقية للعبد الصالح ..
" وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ "
العبد الصالح الذي في خيالنا قد يتنازل عن إرثٍ له .. أما العبد الصالح الحقيقي في القرآن فهو لا يتنازل عن إرثه , و إرثه هو الأرض كلّها !
هكذا تقول الآية التي أشرنا إليها ..
الأرض يرثها عباد الله الصالحون .. الأرض كلّها ..
هل العبد الصالح الذي في أذهاننا , الذي تخيّلناه قبل قليل ؛ مناسب لهذا الدّور –دور إرث الأرض- ؟
بالتّأكيد لا .. ثمّة خلل كبير في مفاهيمنا عن العبد الصالح ..
فلننتبه الآن ..
إلى أنّ الآية التي تلي هذه الآية بالضبط تقول : " إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ " ..
الله عزّ و جلّ و هو الأعرف بخلقه يعلم أنّ هناك من سيجعل العبادة كما لو كانت مناقضة لإرث الأرض ..
هناك من سيجعل العبادة تلهيه عن دوره في إرث الأرض ..
الآية تُقدّم بلاغاً رسميّاً إلى السادة العابدين : إن كانت عبادتكم تلهيكم عن إرث الأرض , فاعلموا أنّكم قد فهمتم العبادة على نحو خاطئ ..
إن لم تجعلكم عبادتكم تساهمون في إعمار الأرض , في إرثها على الأقل ..
و لم تساعدكم في حثّكم على ذلك أو في تحفيزكم عليه .. فاعلموا أنّ فهمكم للعبادة فيه مشكلة !
حتّى لو قضيتم الليل في القيام و النّهار في الصيام !
بلاغ .. " العبادة يجب أن تساهم في إرث الأرض "..
لكن .. ما هو إرث الأرض أصلاً ؟
أغلبنا سيتخيّل شيئاً يتعلّق بالحيازة العسكرية و بالسيطرة على الأرض ؛ كما لو أنّ إرث الأرض هو أن تحرق الأرض لتسيطر عليها !
على الإطلاق ..
لكن ماذا يعني أن تكون وارثاً للأرض ؟
هل يعني أن تشنّ الحروب على الأرض كلها ؟ .. هل يعني أنّ عليك أن تحرق الأرض لكي تسيطر عليها ؟
أغلبنا سيتخيّل شيئاً له علاقة بأفلام الـ " action" فيما يتعلّق بإرث الأرض .. لكن الأمر في الحقيقة أبسط من هذا بكثير ..
لديك إرث .. كي تُثبتْ بأنّك مؤهَّل له .. عليكَ أن تعمّره , تجعله يُثمر , يزدهر , ينمو !
إرث الأرض ؛ هو إعمار الأرض , و ليس حرقها .. و ليس جعلها مكاناً أسوأ ! .. إرث الأرض هو أن تجعلها مكاناً أفضل للعيش .. بكل بساطة ..
فلنتذكّر حديث "الفسيلة" .. قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا قامت القيامة و في يد أحدكم فسيلة .. فليغرسها ! )
إذا قامت القيامة ! في تصوّراتنا الذهنية .. أنّه إذا قامت القيامة أو ظهرت أي علامة من علامتها .. علينا أنّ نذهب بسرعة لنصلي أو نؤدّي أي شيء من الشعائر ..
عليه الصلاة و السلام يقول : اغرس الفسيلة , حتّى الرمق الأخير !
طبعاً .. عليك أن تكون قد صلّيت .. هذا أمر منتهِ ..
و لكن .. الفسيلة .. دور العبد الصالح في إرث الأرض : هو الفسيلة !
لكي تكون عبداً صالحاً عليك أن تكون مُنتِجاً !
لا أن يكون تاريخ صلاحيّتك انتهى منذ قرون ..
و ليس بالصدفة أبداً .. أن نقول في التحيّات في نهاية الصلاة : السّلام علينا و على عباد الله " الصالحين " !
نحن في العبادة في الجزء الشّعائري من العبادة ؛ في نهايتها !
و هذا الجزء يذكّرنا بجزء آخر من العبادة سنقوم به بعد قليل ..
نُسلّم على العباد الصالحين الذين قال لنا القرآن : أنّهم يرثون الأرض , كما لو أنّ هذا يذكّرنا بدورنا بعد الصلاة مباشرةً أن نلتحق بالعباد الصالحين في إرث الأرض ..
هذا هو الدّور الحقيقي للشعائر ؛ الـ" Dynamo " الذي يجعلنا نقوم بدورنا في الأرض ..
في هذا العالم الذي يبدو مزدحماً بالخيارات .. هناك أحياناً أشياء فيها خيارات قليلة جداً ..
الخيارات الحقيقية قليلة جداً !
أحياناً تُختَزل لتصبح خيارَين فقط ! .. لديك خيار أن تكون عبداً صالحاً أو أن تكون عبداً غير صالح ..
في كل الأحوال نحن عبيد .. في كل الأحوال ..
العبوديات كثيرة .. ممكن أن تكون عبداً لله , ممكن أن تكون عبداً لنفسك , لنمط حياة , لـِ أيدولوجيّة !
في كل الأحوال نحن عبيد .. و الحريّة الوحيدة الحقيقية ؛ هي حريّة اختيارك لعبوديّتك !
حتّى هذا الخيار يا صديق .. لا يُنهي الموضوع !
يمكن أن تنزلق للصورة غير الصالحة للعبد الصالح , و يمكن أيضاً أن تذهب إلى آية القرآن .. إلى الصورة القرآنيّة ؛ العبد الصالح الذي يُصلح الأرض !
تقول : الأمر صعب ؟
نعم ..
صعب ..
لكنّه ليس مستحيلاً ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق