برنامج #لا_نأسف_على_الإزعاج
دكتور #أحمد_خيري_العُمَري
*الحلقة الثانية :-
عنوان الحلقة : #لا_يزال_الإعجاز_مستمراً
.
.
هناك كتاب ..
ربّما على الرَفِّ يعلوه الغبار , ربّما على الجدار مُعلَّق بإطارٍ و مسمار , ربّما على صدرٍ شبع عارٍ , ربّما أمام مِقود السيارة وُضِعَ للحرز و الحماية ..
هذا الكتاب .. كان يجب أن يكون في أماكن أخرى غير هذه ..
كان يجب أن يكون في عقولنا , في تلافيف أدمغتنا , في قلوبنا , في شراييننا و أوردتنا , في كريات دمنا البِيضِ و الحُمر , في جهازنا المناعيّ , في نخاع العظم مِنّا ..
تُهنَا عن هذا الكتاب .. فتُهنَا عن أنفسنا ؛ عن كل ما يجب أن نَكُونَهُ ..
لكي نعيد اكتشاف هذا الكتاب .. علينا أن نعيد اكتشاف أنفسنا ..
سيجعلك هذا الكتاب تكتشف قارّة جديدة في داخلك ؛ قارّة جديدة بكل مواردها و خيراتها لَم تُكتَشف من قبل ! لَم يطئها مخلوقٌ من قبل !
فقط عندما يحدث هذا ؛ ستكتشف المعجزة الحقيقية في هذا الكتاب " القرآن الكريم " ..
عندما نتحدّث عن المعجزات سنتذكّر حتماً معجزات السيّد المسيح مثلاً : إحياء الموتى , شفاء الأكمه و الأبرص .. سنتذكّر أيضاً معجزة سيدنا موسى : يده التي خرجت بيضاء , العصا التي انقلبت إلى حيّة و التي شقّت البحر ..
ثمّ سيسألون : و ما هي معجزة محمّد عليه الصلاة و السلام ؟
سنقول صادقين : القرآن الكريم ..
منذ اللحظة الأولى .. لا يمكن أن نضع معجزات بقيّة الأنبياء والرّسل في صنف واحد أو خانة واحدة مع القرآن الكريم ..
ثمّة شيء مختلف واضح في الطبيعة , نعم .. كلها منه عزّ و جل وكلها بمشيئته و كلها تؤدي نفس الدّور ..
لكن ثمّة شيء مختلف في الطبيعة ؛ لا يمكن تجاهل أو إنكار ذلك ..
كل معجزات الأنبياء السابقين , يمكن أن توصف بأنّها كانت مرئيّة رأي العين ؛ يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة .. و كان هذا بالضبط هو طريقها إلى الإعجاز ..
بعبارة أخرى .. لو أنّ ميّت سيدنا عيسى لَم يَعُد إلى الحياة أمام أعين النّاس و يرونه و هو يقوم من الموت , لما تحقق للمعجزة أثرها الإعجازيّ .. و كذلك شفاء الأكمه و الأبرص , و كذلك يد سيدنا موسى و عصاهُ ..
لو أنّ كل هذه المعجزات لَم تُرَ رأي العين .. لما كانت ذُكِرَت أصلاً !
على العكس كانت كل هذه المعجزات تُرَى و كانت رؤية الكافرين لهذه المعجزات هي ما تجعلهم يؤمنون ..
بعبارة أخرى : كانت هذه المعجزات ذات طبيعة حسيّة ماديّة مباشرة مرئيّة رأي العين ..
معجزة القرآن الكريم كانت مختلفة !
لم تكن مرئيّة ..
لا تنسوا ...
بعض الأشعّة لا تُرى .. و لكنّها قد تقتُل !
وفي حالة القرآن .. فإنّها قد تُحيي أيضاً !
لكن ما هو هدف المعجزة ؟
هدف المعجزة هو جعل النّاس يؤمنون برسالة صاحب المعجزة و بدعوته إلى الإيمان بالله عزّ و جلّ ..
كيف يتحقق هذا الهدف ؟
يتحقّق عبر مثلث متساوي الأضلاع .. و أضلاع المثلث هي : 1- التحدّي , 2- الإعجاز , 3- الانقياد ..
التّحدّي : هو الفعل الخارق للحس , الذي يقوم به صاحب المعجزة .. مثل إحياء الموتى أو شفاء الأكمه و الأبرص ..
الإعجاز : هو شعور المتلقّي بعجزه عن الفهم تجاه ما حدث .. هذا الميّت , كنّا على وشك دفنه و ها هو يعود إلى الحياة .. هذه الخشبة مجرد خشبة و ها هي حيّة تسعى ..
يشعر المتلقّي هنا بعجز عقله عن الفهم فيقرر أنّ صاحب المعجزة مؤيّدٌ من الله و أنّ ما يقوله صواب ..
الانقياد : هو الضلع الثالث .. التّحصيل الحاصل .. سينقاد المتلقي لصاحب المعجزة .. وهذا هو هدف المعجزة أصلاً .
مع القرآن .. تتّخذ المعجزة طريقاً مختلفاً !
فَبدلاً من إعجاز العقل و الذي كان مصاحباً لمعجزات بقيّة الأنبياء و الذي كان ضرورياً في مرحلة مبكّرة من تاريخ البشرية ومن طفولة العقل البشريّ ..
بدلاً من هذا الإعجاز .. هناك الآن ؛ استفزاز للعقل !
لا إيقاف للعقل هنا من أجل الإنقياد .. على العكس .. معجزة القرآن تتطلب إعمال العقل , تتطلب قيامته ؛ أن يقوم من نومه ليقوم بدوره !
يضرب القرآن عقلك كما لو بصاعقة تعيد له الحياة ! .. كما لو بِرَجَّةٍ كهربائية تعيد له دَقَّاته! .. يقوم القرآن بِهَزِّكَ بعنف ..
فَكّرْ , تأمَّلْ , ابحثْ , واجه حقيقة مشاكلك , و ابحث لها عن حلول ..
يأخذك القرآن من تلابيبكَ .. يقول لكَ : فوق هذه الرَّقبَة ما يستحق أن يعمل !
فلنتذكّر أنّ هذا الدين هو الدين الخاتم .. و كان يجب لمعجزته أن تكون مختلفة , هذا الدين هو فرصة البشرية الأخيرة .. و كان يجب لمعجزته أن تحمل طابع الاستمرار و أن تحمل رسالته ..
ما كان يمكن لمعجزة الدين الخاتم أن ترتبط بشيء يُرى و يُحَسُّ في زمن ما , ما كان يمكن لمعجزة الدين الخاتم أن ترتبط بفعل خارق للحسِّ أو العقل ..
لقد جاءت المعجزة في زمن بلغت فيه البشرية سنَّ الرشد .. آنَ للمعجزة الأخيرة أن ترتبط بالعقل ..
تختلف المعجزة القرآنية أيضاً في أنّها تجعل المتلقي جزءاً منها ..
كل المعجزات السابقة تجعل المتلقي ينقاد فحسب ..
المعجزة القرآنية تجعل المتلقي طرفاً فاعلاً فيها ؛ جزءاً فاعلاً فيها ..
يخترقه القرآن فيغيّره فيصبح إنساناً آخر .. و يكون هذا التغيُّر هو المعجزة !
لقد كان ميّتاً مثل ميّت سيدنا عيسى و إن تنفّس , كان مَثله مثل الخشبة في عدم تأثيره في الحياة ..
ثمّ يأتِ القرآن ليغيره .. فتدبُّ فيه الحياة .. فيصبح شخصاً فاعلاً متفاعلاً صانعاً للحياة .. يصبح شجرة مثقلة بالثّمار بعد أن كان مجرّد خشبة ..
القرآن معجزته معادلة من طرفين ؛ أحد طرفيها هو : أنتَ !
فما الذي فعلناه بتلك القفزة الهائلة ؟ .. و ما الذي فعلناه بالقرآن الذي حقّقَ هذه القفزة؟
أخشى أن أقول أنّنا حقّقنا أكبر تدهور ! و أنّنا عاملنا القرآن كما لو كان معجزة حسيّة و نسينا جوهر المعجزة : التّغيير !
وضعناه خلف "فترينا" , علّقناه على الجدار , بنينا بيننا و بينه ألف جدار و جدار , قلنا : ممنوع اللمس !
و هو قد نَزَل ليخترقنا لا ليلمسنا فقط !
تعرفون ماذا فعلنا بالقرآن ... و تعرفون ماذا حدث لنا ...
و أنتَ يا صديق ..
هل تركت له الباب مفتوحاً لكي يدخل إليك ؟
هل تركت له مجالاً لكي يتسلل إلى قلبك فيُحدث ربّما الطّوفان أو ربّما الزّلزال ؟
هل تركتَ له الفرصة و أنتَ في لهوكَ .. و أنتَ في المقهى , و أنتَ في خوض الخائضين مع أصحابك ؟
هل تركت له الفرصة لكي يقوم بتغييرك ؟
تغييرك الذي لا يعني أن تترك لهوك و أصحابك .. لكنّ أولوياتك ستتغيّر فحسب !
هل تعرف أيّ شيء يمكن أن يفعله فيكَ ؟ أم أنّ هذا لم يأتِ أصلاً ببالكَ !
هل علاقتك فيه هي الختمة فحسب ؟
أم أنّ هذا أصلاً غير موجود !
هناك فرصة ..
هناك معجزة تنتظر دورك فيها ..
هناك معادلة تنتظر طرفها لكي يتحرك ..
هناك أنت !
تَحَرَّكْ !
عليه الصلاة و السلام .. أوصل الأمانة ؛ القرآن ..
الباقي عليكَ ..
لا
الباقي علينا جميعاً .. و عليكم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق