و ما زال الجاحظ يُعدِد مناقب العرب التي حازت بها الشرف على سائر الأمم و استحقت بها أن تكون أهلا للرسالة الخاتمة ..
فيقول " و العرب لم يكونوا تجَّارا و لا صُنّاعا و و لا أطباءا و لا
حُسَّابا .. و لا أصحاب زرع لخوفهم من صَغَار الجزية .. و لم يحتملوا ذُلاً قط
فيميت قلوبهم و يصغِّر عندهم أنفسهم . "
فانظر يا رعاك الله ما هي الصفات المِحوَرية التي أقام عليها الجاحظ تَمَيُز العرب عن غيرهم .. قال " لخوفهم من صَغار الجزية " أي أن العربي كانت حريته و كرامته عنده أكبر و أهم من أي شيء آخر ولو كان ذلك الشيء هو اتخاذ الصناعات التي بها قوام الحياة .. و ذلك أنهم لم يحتملوا ذلا قط فيُسَبِب تطاول الذل و تقادمه موت قلوبهم و استمرائهم للذل و الهوان .. و انظر إلى المُتَنبي يُعَبِر عن هذا المعني قائلاً
لا افْتِخارٌ إلاّ لمَنْ لا يُضامُ | مُدْرِكٍ أوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ |
لَيسَ عَزْماً مَا مَرّضَ المَرْءُ فيهِ | لَيسَ هَمّاً ما عاقَ عنهُ الظّلامُ |
واحتِمالُ الأذَى ورُؤيَةُ جانِيـ | ـهِ غِذاءٌ تَضْوَى بهِ الأجسامُ |
ذَلّ مَنْ يَغْبِطُ الذّليل بعَيشٍ | رُبّ عَيشٍ أخَفُّ منْهُ الحِمامُ |
كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيرِ اقْتِدارٍ | حُجّةٌ لاجىءٌ إلَيها اللّئَامُ |
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ | ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ |
ثم انظر إلى حال العرب الآن و ما وصلوا إليه من ذِلَة و هوان بحيث صارت الشعوب تُلاقي كل أنواع المهانة من حاكميها المُتَغلبين عليها دون أن يرفعوا لذلك رأساً أصلا بل و يُمجدوا أولئك الحُكام و يدفعوا لهم الضرائب و المكوس .. و الحكام بدورهم يتعاملون مع المجتمع الدولي و القوى العُظمى بكل ذِلَة و صغار و لا يمتنعون عن دفع أي جِزية للحفاظ على عروشهم و كراسيهم أن تمتد إليها يد أو يطرأ عليها تغيير ..
ونحن هنا لا ندعوا لترك تلك الصناعات التي بها عمارة الحياة و لكن ندعو لأن يعود العرب لما كانوا عليه من عزة نفس و رفض للمهانة و الذل و دفع الجزية سواء أكان ذلك للمُحتَل الداخلي أم للمُحتَل الداخلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق