الاثنين، 28 أكتوبر 2013

لا تهنوا و لا تحزنوا





" لقد بقيت عدة سنوات معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها فأنا أُقدِّم إليه رجلاً وأُوأخِر أخرى .. فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذِكرَ ذلك .. فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً .. إلا أنه حَثَّنِي جماعةٌ من الأصدقاء على تسطير هذا .. ثم رأيت أن ترك هذا لم يجدي نفعا " 

بتلك الكلمات صَدَّرَ ابن الأثير تدوينه لتاريخ التتار و ما فعلوه في بلاد المسلمين .. ثم قال:

 "هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها فقد عمت الخلائق وخصت المسلمين ولو قال قائل ( إن العالم منذ خلق الله – سبحانه وتعالى – آدم إلى الآن لم تبتلى بمثلها) لكان صادقاً فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله " بُختنصر " ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدس وما البيت المقدس إلى ماخرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كانت المدينة منها أضعاف البيت المقدس وما بنوا إسرائيل إلى من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ؛ ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج ؛ وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه أما هؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والأطفال والرجال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهن – فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"

هذا ما سطره المؤرخ ابن الأثير في بداية حديثه عن قصة التتار ... و الجدير بالذكر أن ابن الأثير مات سنة 630هـ فلم يرى دخول التتار بغداد سنة 656هـ و ما فعلوه بها ...
 
فقد قتلوا ألف ألف نفس ما بين رجل وشيخ و امرأة و طفل .. و لم يدعو حجر على حجر .. و ألقوا بمكتبة بغداد في نهر دجلة و كان فيها من الكتب ما يمكن أن يغطي وجهة الأرض المعلومة في ذلك الزمان حتى تحولت مياه نهر دجلة للسواد من مداد الحبر لأيام طويلة .. و غير ذلك من الأهوال الذي يعجز اللسان عن وصفها....

ثم ماذا .....

لن أتكلم عن انهزام التتار بعد ذلك في عين جالوت و لكن سأتكلم عن مَآل التتار بعد ذلك . . . فقد أسلم عامةُ التتار بعد أعوام قليلة من خراب بغداد ليس ذلك فحسب بل أسسوا ممالك عظمية للإسلام في مشرق العالم الإسلامي الذي اجتاحه أجدادهم .. ليس ذلك فحسب بل و وصلوا بالإسلام إلى الصين و روسيا . . . فقد ظلت بكين و قازان (أكبر مدن روسيا بعد موسكو) خاضعة للحكم الإسلامي التتري لعدة قرون . . . و ظلت موسكو تدفع الجزية للتتار المسلمين في قازان و القرم (المنطقة الواقعة شمال البحر الإسود).

أقول هذا الكلام الآن لمواجهة اليأس الذي قد يتسرب للنفوس من هول المصائب التي نمر بها الآن من بورما و سوريا إلى مصر و العراق ناهيك عن جرح فلسطين الغائر القديم الحديث ... كل هذه أحداث قد تُورِث الحزن و اليأس من نصر هذا الدين و رؤية أعلامة خفاقة منتصرة كما كانت من قبل.

و لكننا نقول إن دين الإسلام هو دين يحمل كل مقومات القوة في داخله, قد يضعف لكنه أبدا لا يموت, فهو الدين الذي وعد الله بنصره و بشر الرسول الكريم بدخوله كل بيت مدر و وبر. و من يطالع التاريخ يرى كم مر بهذا الدين من كبوات و مصائب و في كل مرة يقوم منها كالمارد الذي استيقظ بعد سباته.

فلا تيأس أبدا و لا تحزن و لا تجزع مما ينزل بك من مصائب فما هي إلا اختبارات و امتحانات بيتلي الله بها عباده ليظهر من الصادق في دعوى الإيمان و من الكاذب, من الصادق في طلب الشهادة و من المُدَعي " أم حسِبتم أن تدخلوا الجنة و لمّا يعلم اللهُ الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين *و لقد كنتم تمنَّون الموتَ من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه و أنت تنظرون "

فاصبر أخي و اصبري أُخيتي على ما يتنزل بك أو ما تراه في أحبائك و اثبت على الحق حتى تنتصر أو تلقى الله عزوجل و أنت تجاهد في طريقه.

و الله نسأل أن ينصر الإسلام و يعز المسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق