السبت، 26 أكتوبر 2013

ألن تنام يا ابن العم



المشهد الأول
------------
.كانت الساعة العاشرة عندما أدار الزوج المفتاح ليفتح باب شقته و كل ما يحلم به هو أن يلقي بجسده على السرير ليذهب في ثُبات عميق فيُلقي عنه عناء هذا اليوم الطويل ..


تذكر و هو يدير المفتاح كيف بدأ يومه مبكرا جدا بعد صلاة الفجر ليوصل الأولاد إلى المدرسة ثم يذهي إلى عمله .. و ما عاناه من الزحام الشديد .. و كيف كان اليوم في عمله حافلا بالمهام الكثيرة الثقيلة التي لم تنتهي إلا قبل ساعتين حيث بدأ رحلة العودة إلى المنزل في نفس الزحام الشديد.

فما أن دخل بيته حتى استقبلته زوجته بوجه مُقتَضِب تحمل قائمة طويلة من الطلبات و مشاكل الأولاد . . . 

فقال لها: أنا متعب و أريد أن أنام و إن شاء الله نناقش هذه المطالب غدا
 

فقالت: لا .. لابد من مناقشتها الآن
 

قال و هو يفرك عينيه المرهقتين: لن أستطيع ذلك فأنا في غاية الإجهاد و بحاجة إلى النوم
 

قالت في تحدٍ و إصرار: بل الآن و بإمكانك أن تنتظر قليلا ثم تنام بعد ذلك
.
.
.

المهم لن أطيل عليكم لأني أريد أن أنتقل بكم إلى المشهد الثاني .. و يكفى أن نعلم أن هذا الحوار قد انتهى بالطلاق

المشهد الثاني
-------------
دخل الزوج بيته في أول الليل و قد بلغ به الهم و الإعياء كل مبلغ . . . فدعوته لا تلقى قبولا عند قومه و أصحابه يعذبون و يضطهدون في كل مكان
 

فما أن دخل البيت و اطمئن على أهله حتى ذهب إلى محرابه ليصف قدمه بين يدي ربه. . . 

فقالت له زوجته العطوف " ألن تنام يابن العم " 

فرد عليها قائلا " مضى زمن النوم يا خديجة " ...

نعم هذه هي خديجة أم المؤمنين و زوج الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم عندما عاد إليها زوجها و قد ملئه الهم و الحزن على دعوته فأرادت أن تخفف عنه ما هو فيه و تزيح عن كاهله هذا العبء الثقيل و طلبت منه أن يستريح قليلا لكي يكون ذلك نشاطا لبدنه و عونا له على موصله الدعوة ..

أنظر إليها و هي تناديه بـ “ابن العم” كنوع من أنواع الملاطفة و التودد و التبسط حتى تخفف عنه ما هو فيه .. ثم انظر إلى حرصها عليه و قد رأت ما هو عليه من الهم و ضيق النفس (بأبي هو و أمي صلى الله عليه و سلم) فطلبت منه أن ينام قليلا حتى يريح جسده من عناء الحركة طوال النهار و يريح عقله و يجم نفسه من عناء الجدال و الحوار مع مشركي قريش ..

و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ألم يكن لخديجة أولاد تهتم بتربيتهم !!!

ألم يكن لها بيت له مطالب و حاجيات !!!

ألم يكن لها تجارة لابد من رعايتها حتى تؤتى ثمارها ؟!! 

و الإجابة الأكيد هي بلي ... كان لها أولاد منه صلى الله عليه و سلم و كان لبيتها حاجات .. و كانت لها تجارة تريد من يرعاها .. و لكنها زوجة حصيفة ذكية رأت زوجها و قد نهكه تعب الحركة للدعوة و ألَمَّ به الهم من و الحزن على مصير هذه الدعوة فلم ترد أن تزيده هماً على همه و لم ترد أن تشغل باله شغلاً على شغله فطلبت من أن يرتاح قليلا ليجدد نشاطه ..

ثم يأتي السؤال الثاني هل معني هذا أنها رضي الله عنها كانت تقصر في أمور بيتها أو أولادها؟!! 

و مرة أخرى فالإجابة الأكيدة هي لا فـ خديجة هي التي ربت رقية و أم كلثوم و فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .. و لكنها مرة أخرى أيضا زوجة ذكية تعرف متى و كيف تطلب ما تريد من زوجها بحيث لا تزيده هماً على همه و تعبا على تعبه ..

بمقارنة بسيطة بين المشهد الأول و الثاني نستطيع أن ندرك هذه الحال التي و صلت إليها بعض بيوتنا هذه الأيام . . 


فإن الزوجة التي لا تفكر في الحالة النفسية و الصحية لزوجها قبل أن تعرض عليه أي موضوع بل تضع مطالبها و حاجاتها قبل كل شئ و أي اعتبار و غاب عنها تماما هذه الفطنة و الفراسة و الذكاء في التعامل مع الزوج . . . لا شك أنها فقدت جزءا لا بأس به من الذكاء في التعامل مع زوجها .. و لهذا نرى هذا الكم الهائل من المشاكل و حالات الطلاق فى واقعنا المعاصر

و في نظري هذا راجع إلى أمرين
 

الأول
غياب التربية الصحيحة من الأهل للزوج و الزوجة عن كيفية التعامل مع الطرف الآخر فبالتالى تجد الزوج و الزوجة يبدأون التجربة من الصفر دون أي خبرات و لهذا يتحتم عليهم أن يمروا بكل المشاكل و المواقف التي مر بها آباؤهم و التي قد تؤدي إلى إنهاء هذه العلاقة سريعا. . . و لو أن الأهل قد نقلوا هذه التجارب للأبناء لوفروا عليهم كثيرا من هذه المشاكل 


و الثاني و هو الأهم
غياب القدوة و الأسوة من حياتنا فبدلا من أن تنشئ البنت على أخلاق خديجة و فاطمة و عائشة رضي الله عنهن .. تجد البنت لا تعلم إلا الممسلات و الفنانات و المغنيات و لا هم لها إلا متابعة ألبوم المغني الفلاني أو شراء آخر صيحات الموضة و أدوات المكياج. . . 


فبالتالي غاب عن حياتنا هذه النماذج الرائعة التي تجسد قمة السمو الإنساني و تشرح لنا كيف يكون التعامل داخل البيت المؤمن بالله المتبع لرسوله صلى الله عليه و سلم

فهل من عودة إلى القدوة الحسنة و النماذج التي تربت في بيت النبوة لعلنا نجد فيها حلا لم يعرض لنا من مشكلات و معضلات

أسأل الله العظيم الكريم أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق