كان (ابن بقية) أبي الطاهر محمد بن محمد بن بقية وزيرا في عهد السلطان البويهي عضد الدولة وكان هذا الوزير محبوبا لدى الشعب حيث كان ينفق على المساكين ويتولى الإشراف على حلقات تحفيظ القرآن فتعلق به الشعب وأحبه أكثر من السلطان الذي بدأ يغار منه فكرهه وأراد إبعاده عن مسرح الأحداث فافترى عليه فرية ثم أخذه بتهمة كاذبة ورماه تحت أرجل الفيلة التي داسته حتى الموت ، ثم أخذه فصلبه على باب الطارق ببغداد وعمره نيف وخمسون سنة ،
ولما صُلِبَ مرّ به أحد عدول بغداد وهو العالم الشاعر أبو الحسن محمد بن عمران بن يعقوب الأنباري فقال فيه قصيدة عندما سمعها السلطان عضد الدولة الذي صلبه تمنى لو أنه هو المصلوب وأن هذه القصيدة قيلت فيه ،
ويذكر الشاعر أبو الحسن في القصيدة بأن ابن بقية من كرامته صار قبره في الجو لأنه مصلوب ، وإليكم القصيدة :
| علوٌ في الحياة وفي المماتِ | لحقٌ تلك إحدى المعجزات |
| كأن الناس حولكَ حين قاموا | وُفُودُ نداكَ أيام الصلات |
| كأنكَ قائم فيهم خطيباً | وكلهم قيام للصلاة |
| مددتَ يديك نحوهم احتفاءً | كمَدِهما إليهم بالهبات |
| ولما ضاق بطن الأرض عن أن | يضم علاك من بعد الوفاة |
| أصاروا الجو قبرك واستعاضوا | عن الأكفان ثوب السافيات |
| لعُظمك في النفوس بقيت ترعى | بحراس وحفّاظ ثقات |
| وتوقد حولك النيران ليلاً | كذلك كنتَ أيام الحياة |
| ركبتَ مطيةً من قبلُ زيدٌ | علاها في السنين الماضيات |
| وتلك قضية فيها تأسٍ | تُبَاعِد عنكَ تعيير العداة |
| ولم أر قبل جذعك قط جذعاً | تمكن من عِناق المكرمات |
| أسأتَ إلى النوائب فاستثارت | فأنت قتيل ثأر النائبات |
| وكنت تجير من صرف الليالي | فصار مُطالِباً لك بالترات |
| وصيّر دهرك الاحسان فيه | إلينا من عظيم السيئات |
| وكنتَ لمعشرٍ سعداً فلما | مضيتَ تفرقوا بالمُنحِسَات |
| غليل باطن لك في فؤادي | يُخَفَفُ بالدموع الجاريات |
| ولو أني قدرتُ على قيام | بفرضك والحقوق الواجبات |
| ملأتُ الأرض من نظم القوافي | ونِحتُ بها خلاف النائحات |
| ولكني أصبر عنك نفسي | مخافة أن أُعَدَ من الجُناة |
| ومالكَ تربة فأقول تسقى | لأنك نصب هطل الهاطلات |
| عليكَ تحية الرحمن تترى | برحمات غواد رائحات |

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق