يقول ابن الجوزى فى كتابه المواعظ:
أكثروا من ذكر هادم اللذات وتفكروا في انحلال بناء اللذات وتصوروا مصير الصُور إلى الرفات وأَعدوا عدةً تكفي في الكفات واعلموا أن الشيطان لا يتسلط على ذاكر الموت وإنما إذا غفل القلب عن ذكر الموت دخل العدو من باب الغفلة
قال الحسن: إن الموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لُب به فرحاً
وقال يزيد بن تميم: من لم يردعه الموت والقرآن ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع
يا بن آدم مثِل لتلك الصرعة قبل أن تذر كل غرة فتتمنى الرجعة وتسأَل الكرة فكَم من محتضر تمنَّى الصحة للعمل وهيهات له بلوغ الأَمل قال تعالى "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون"
ولَمَّا احتضر عبد الملك بن مروان قال: والله لوددت أنَّي عبد رجلٍ من تهامة أرعى غنيمات في جبالها وأني لم ألِ
وجعل المعتضد يقول عند موته: ذهبت الحيل فلا حيلة حتى صمت
وقال أبو محمد العجلي: دخلت على رجل في النزع فقال لي: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أَيامي
فيا من قد امتطى بجهله مطايا المطالع لقد ملأ الواعظ في الصباح المسامع تالله لقد طال المدى فأَين المدامع أَين الذين بلغوا المُنى فما لهم في المُنى منازع رمتهم المنايا بسهامها في القوى والقواطع فعلموا أن أيام النعم في الزمان خوادع
ما زال الموت يدور على الدوام حتى طوي الطوالع وصار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى المضاجع ولقوا والله غاية البلاء في تلك البلاقع
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا وبنوا مساكنهم فما سكنوا فكأَنهم بها ظعناً لما استراحوا ساعة ظعنوا
لما حضرت أبا موسى رضي الله عنه الوفاة، دعا فتيانه، وقال لهم: "إذهبوا فاحفروا لي وأعمقوا،فعلوا فقال: "اجلسوا بي، فوالذي نفسي بيده إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن قبري حتى تكون كل زاوية أربعين ذراعاً، وليفتحن لي باب من أبواب الجنة، فلأنظرن إلى منزلي فيها وإلى أزواجي، وإلى ما أعد الله عز و جل لي فيها من النعيم، ثم لأنا أهدى إلى منزلي في الجنة مني اليوم إلى أهلي، وليصيبني من روحها و ريحانها حتى أبعث.
و إن كانت الأخرى ليضيقن علي قبري حتى تختلف منه أضلاعي، حتى يكون أضيق من كذا و كذا، وليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى مقعدي وإلى ما أعد الله عز و جل فيها من السلاسل والأغلال و القرناء، ثم لأنا إلى مقعدي من جهنم لأهدى مني اليوم إلى منزلي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث".
لما أحتضر هشام بن عبد الملك، نظر إلى أهله يبكون حوله فقال: "جاء هشام إليكم بالدنيا وجئتم له بالبكاء، ترك لكم ما جمع وتركتم له ما حمل، ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله".
لما مرض هارون الرشيد ويئس الأطباء من شفائه ... و أحس بدنو أجله .. قال: "أحضروا لي أكفاناً" فأحضروا له ..فقال: "احفروا لي قبراً" ... فحفروا له ... فنظر إلى القبر وقال :"ما أغنى عني مالية ... هلك عني سلطانية ... !"
دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه
فقال له: "كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟!"
فقال الشافعي: "أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها"، ثم أنشأ يقول:
و لما قسـا قلبي و ضاقـت مذاهبي *** جـعـلت رجـائي نحـو عفـوك سلـما
فقال له: "كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟!"
فقال الشافعي: "أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها"، ثم أنشأ يقول:
و لما قسـا قلبي و ضاقـت مذاهبي *** جـعـلت رجـائي نحـو عفـوك سلـما
تعاظـمـني ذنبــي فلـما قرنتـه *** بعـفــوك ربـي كـان عفوك أعظـمـا
فما زلت ذا عفو عن الذنـب لم تزل *** تجـود و تعـفـو منــة و تكـرمــا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق